كانت الامبراطورية الرومانية من أعظم الامبراطوريات التي عرفها التايخ، فقد سادت العالم في عصرها، بل إن جميع الدول المطلة علي البحر المتوسط وقعت تحت سطوتها.. بما في ذلك تركيا وسوريا ومصر والشمال الأفريقي كله حتي أسبانيا، بل أنه قد وقع تحت نفوذها فرنسا وانجلترا وغيرها من البلدان الأوروبية..
امبراطورية لها كل هذه السطوة، لابد أن يكون حاكمها هو سيد العالم.
وقد كان يوليوس قيصر من أهم الشخصيات البارزة وأهم القادة التي عرفتهم هذه الإمبراطورية، لأنه كان يملك القوة، وعبقرية القيادة، وقدرته الهائلة علي إقناع الجماهير، حتي قيل أنه كان أعظم الخطباء الروم بعد سيشرون!
***
في هذا الجو المفعم بعنف الانتصارات العسكرية كان يعيش يوليوس قيصر.
أحب الجندية، وبرزت مواهبه العسكرية في المعارك التي خاضها، وحقق فيها المزيد من الانتصارات في فرنسا (بلاد الغال) وانجلترا وايطاليا وأسبانيا.
***
ويبدو أن هذه الانتصارات، وتألق نجم يوليوس قيصر أوغر صدر بعض القادة الآخرين، وعلي رأسهم (بومبي).
رغم أنه في عام 60 (ق.م) تحالف مع ليسنيوس كراسوس، وأجنايوس يومبي، وكونوا أول حكومة ثلاثية لحكم روما.. ومعروف تاريخيا أنه تم انتخاب يوليوس قيصر قنصلا..
وفي نفس العام الذي أصبح فيه قنصلا تزوج من (كالبورنيا).
لقد أوغر صدر كثير من القادة ما حققه يوليوس قيصر من نجاحات علي المستوي العسكري والمستوي السياسي.. فحاكوا مؤامرات ضده، وكان يومبي من الذين انفصلوا عنه وبعدوا عن تأييده.. ولم يكن أمام (بومبي) عندما شاهد صعود نجم قيصر حتي كاد أن يصبح سيدا علي العالم كله عندما بسط نفوذه علي أسبانيا، بعد أن بسط نفوذه من قبل علي شرق نهر الراين، وغزا بريطانيا علي مدي عامين متتاليين عام 55، 54 ق.م.
لم يكن أمام (بومبي) سوي الهرب إلي مصر وقرر قيصر القضاء عليه، فجاء علي رأس حملة إلي مصر، حيث استطاع بالفعل أن يتخلص من عدوه اللدود (ومبي).
وفي مصر التقي بكليوباترا.
لم تكن كليوباترا فاتنة الجمال، ولكنها كانت بالغة الذكاء.. تستطيع أن تأسر محدثها بثقافتها العريضة، وقوة منطقها، فتعلق بها قلب يوليوس قيصر، ودعم سلطانها كملكة علي مصر. وسرعان ما شعر أنه لا يمكن أن يستغني عن هذه الملكة المصرية الجميلة فقرر أن تصحبه إلي روما.
وقد اختلف الرواة والمؤرخين حول تلك العلاقة التي تجمع بين يوليوس قيصر وكليوباترا.. البعض قال انها كانت تهدف من وراء هذه العلاقة أن تحقق أحلامها ليس في حكم مصر وحدها، ولكن في حكم الامبراطورية الرومانية من خلال يوليوس قيصر.
والبعض الآخر كان يري أنها تريد بسط نفوذ مصر علي سوريا وأسيا الوسطي من خلال علاقتها بقيصر.
بينما رأي فيها البعض الآخر أنها غانية تستهوي قلوب الأبطال لا لشيء إلا لإرضاء حاجة في نفسها.. بأنها جميلة.. وأنها مرغوبة من مشاهير الأبطال.
***
ومهما كان الرأي فقد ذهبت معه إلي روما وكانت ذات تأثير عنيف عليه، حتي أنه أصبح كما يقولون طوه بنانها، بل قيل أنه تأثر بثقافتها العريقة، كما تأثر بالحضارة المصرية عندما جاء إلي مصر، وشاهد روائع ما تحوي من آثار، وما كانت عليه مصر من حضارة راقية، فانبهر بالآثار المصرية.. كما انبهر بحكم الفراعنة، وتآليه الناس لهم.
ولعله جاءه هذا الهاجس عندما كان في مصر، لماذا لا يكون له هيبة ملوك الفراعنة؟ ولماذا لا تقدس الناس شخصه كما يقولون في مصر شخصية الفرعون، وهو الذي حقق لروما كل هذه الانجازات الهائلة.. من فتوحات وغزوات وإصلاحات داخلية.
***
وكان قيصر قد واصل زحفه إلي مصر بعد هزيمة (بومبي).. وأخذ يطارح كليوباترا الغرام، وهي آخر البطالمة، وملكة مصر الربه، ويلوح أنها لعبت برأسه تماما.
وعاد قيصر إلي روما حاملا معه فكرة (الملك المؤله) المصرية. وشاهد ذلك أن تمثاله أقيم في أحد المعابد وعليه عبارة نصها:
'إلي الإله الذي لا يقهر'
ولآخر مرة اندلع من الروح الجمهورية المحتضرة بروما لهيب احتجاج أخير.
***
ويقول المؤرخون أن وراء تغير شخصية قيصر، كانت هي كليوباترا، وأنها هي التي زينت له أن يكون ملكا متشبها بفراعنة مصر المؤلهين، وأنهما قررا الزواج عندما يعلن نفسه ملكا علي روما والعالم، وسيصبح هو سيد العالم، وتصبح هي سيدة الدنيا.
***
ولكن الأمور سارت بما لا تشتهي السفن كما يقولون.
ففي روما دستور
وفي روما مجلسا للشيوخ له قراراته التي يجب أن يحترمها الحاكم.
وأن الأمور لا يمكن أن تسير علي أهواء قيصر أو كليوباترا.
فهذا المجلس هو الذي يعين القناصل وغيرهم، وهو الذي يمنح السلطات حتي يسير دولاب العمل السياسي علي أسس موضوعية ومن خلال رأي أعضاء هذا المجلس، حتي يظل للمجلس صيته ويظل للقانون هيبته. وكثيرا ما خرق يوليوس قيصر القوانين، إرضاء لطموحاته الشخصية.. وكل ذلك أغضب أعضاء مجلس الشيوخ.
وإذا كان من الصعب مجابهة قيصر، فإنه من الأسهل أن تحاك المؤامرات للتخلص منه، وبالفعل.. نجحت المؤامرة، والتي كانت تهدف إلي ضربه بالخناجر والسيوف عندما يدخل قاعة المجلس.
وفي لحظة حاسمة من لحظات التاريخ، في عام (44 ق.م) وبينما كان قيصر يدخل قاعة المجلس إذا به يفاجأ بمن يطعنه بالخنجر، ثم توالي من جاءوا لاغتياله، حتي سقط مدرجا في دمائه!
والعجيب أن حادثة الاغتيال قد وقعت عند تمثال منافسة (بومبي).
وبمقتل قيصر، كان لابد أن تعود كليوباترا إلي مصر من جديد، لتأخذ دورا جديدا في الصراع الروماني الروماني.. ولديها طموحات لا تحد للسيطرة علي الامبراطورية الرومانية كلها، وتصبح هي الملكة غير المتوجهة علي عرش العالم!!