يتناول الكتاب العلاقة الجدلية بين النفس والجريمة وارتباط الجنس بهما عبر عدة احداث وجرائم بعضها مفزع اعتمدها المؤلف وتناولتها صحف مصرية يومية واسبوعية ومجلات خاصة بعالم الجريمة واخبار الحوادث في محاولة منه لفحصها وتحليلها، وهو يدعو القارئ إلى مشاركته البحث والتأمل والرصد، لان لكل جريمة مأساتها وآثارها الضارة على بنيان المجتمع وقيمه فكان لا بد من دراستها ومحاولة تتبع آثارها. ومن خلال عدة تساؤلات يبديها الناشر قبل الخوض في معترك تشابكات النفس والجنس والجريمة يتساءل هل أصبح العنف إدمانا في مجتمعاتنا العربية؟ ولماذا ينجذب الناس في مجموعهم إلى قصص القتل وحكايات التعذيب والجريمة ؟ ثم لماذا اصبح سماع هذه القصص وتلك الروايات من الجريمة وصور القتل البشعة موضع اهتمام الناس محققة دويها الاعلامي فهل اصبح ذلك وعاء مرضيا للعامة يفرغون فيه رغباتهم المدفونة في سماع تلك القصص وغيرها؟ وهل تكمن الاثارة في فتح الجروح والتأمل فيها بل والتحديق المجنون في اعماقها؟ هل طالت تلك الجروح العقول ايضا؟
ويطلع المؤلف قارئه على مضمون كل فصل من خلال المقدمة في محاولة لجمع الفكرة العامة وتصور يربط الجريمة بالنفس من ناحية والجنس من ناحية اخرى ففي الفصل الاول يفرد لجريمة حديثة نسبيا وهي جريمة قرية شمس الدين بمركز بني مزار بصعيد مصر ويبين جريمة قديمة تاريخيا وهي جرائم ريا وسكينة، ثم يطرح سؤال عن مدى ارتباط ريا وسكينة بالجنس؟ ويجيب بأن كثيرا من الناس لا يعرفون انهما كانتا تديران بيوتا للدعارة بمساعدة رجالهما بينما في حالة بني مزار حيث ابرزت الجريمة بتر الاعضاء التناسلية للمجني عليهم الذكور والعبث بالاناث فيستكمل المؤلف ويتساءل هل هذا الفعل نوع من 'الهوس الجنسي' بصرف النظر عمن هو القاتل أو الجاني؟ ولماذا ارتكب الجريمة على هذا النحو فتبين ان وجود الاعضاء التناسيلية، المقطوعة (المبتورة) في مسرح الجريمة قد ادحض نظرية المؤامرة التي تشير إلى بيع تلك الاعضاء وان المسألة قد تتجه إلى منحى آخر متعلق بالموروث الشعبي في هذه المنطقة والمتصل بمفهوم 'فتح الكنز' عبر طقوس معينة؟!
وفي قضية ريا وسكينة اللتين قامتا بقتل ضحاياهما بالايادي العارية خنقا ثم دفنهم يظهر مدى وحشية النفس وقسوتها.
هذه الحوادث التي تشغل بال الناس ويهتم بها علماء الجريمة، كما يهتم بها الطب النفسي بالبحث والتحليل وتقديم المساعدة المتطلبة لذلك لا يعتد المؤلف بالتفسير المبدئي للجريمة الذي قدمته وزارة الداخلية في جريمة قرية شمس الدين ببني مزار بأن القاتل معتوه أو مختل عقليا، فالمسألة كما يقول المؤلف أعقد من كونها تفسيرا بسيطا من وزارة الداخلية أو المستشفى العقلي، فإن المصطلح أوالمفهوم في رأي المؤلف لا يصغ ولا يمكن اطلاق الاحكام هكذا.
فكأننا ننظر إلى أي شخص بوصف واحد: قاتل، سفاح، مجنون، مخبول، وبالتالي نسكب فيه سوءاتنا وعيوبنا النفسية وظروفنا الاقتصادية واوضاعنا الاجتماعية، كل افعالنا المشينة وتجاوزاتنا وحماقاتنا وخيالاتنا المعلنة والمكتومة والمريضة، كل نواحي القصور في حياتنا وفي انفسنا هكذا تصور لنا الجريمة سوءاتنا وذلك عند تحليلها بواسطة الطب النفسي للجاني.ويشير المؤلف إلى حادث حريق قطار الصعيد ثم حريق بني سويف وهي تبعد عن قرية شمس الدين ببني مزار عدة كيلو مترات، ويقول ان القاتل موجود حتما في المجتمع الرخو يشوه الاحلام ويطعن في الآمال وإن البنيان الاجتماعي به خلل ولا بد من الاسراع للعلاج وتقديم روشتة له. ان حالة الصحة النفسية للناس في حاجة للمراجعة، ويضرب المؤلف مثالا حيا من الواقع الذي يئن ويعاني فهل من الممكن اطلاق حملة قوية لعلاج الاكتئاب؟ أو حتى تدعو إلى التفاؤل واعتمد بعض الفرص الحقيقية لدعوة الناس للامل لكي تصبح الامور افضل؟
وينتقل المؤلف من ذلك إلى الفصل الثاني مبينا به فكرة القتل ذاتها فيتناول احداثا هزت بلادها. ففي عيد ميلاد هتلر 20 ابريل قام طالبان مراهقان اميركيان بنسف مدرستهما وقتل خمسة عشر طفلا بدم بارد ثم انتحرا والمدهش ان الرئيس الاميركي قبيل الحادث كان قد نبه إلى ضرورة اهتمام الاسر في اميركا إلى الاولاد بأن يكلموهم وان يهتموا بهم فكأن المؤلف بذلك اراد الاشارة إلى البعد النفسي في التربية واعداد النشء والحفاظ على صحتهم النفسية ليكونوا اسوياء لان تفاصيل الحادث تنم عن هذا الخلل.
ومن خلال هذا الفصل ايضا يسرد المؤلف وقائع حقيقية عن العنف المنزلي وقتل الزوجات للازواج أو قتل الزوج بواسطة العشيق بمشاركة الزوجة شريكة الجاني وممارسة الجنس على جثة الزوج المقتول، إنها جرائم تحتاج إلى دراسة من المختصين وعلماء الجريمة واطباء النفس وكذا جريمة قتل زوجة لزوجها مدمن الحبة الزرقاء المسماه بالفياغرا.. والفياغرا كما يقول المؤلف عقار ساهم في علاج حالات كثيرة لكنه يتحول إلى عقار خطير في ايدي من يستخدمونه لاثبات الفحولة وإلى اطالة مدة المعاشرة دون مراعاة لظروف الطرف الآخر.
والفياغرا يمكن الادمان لها لسببين: ان الرجال الذين تعودوا على استخدامها باستمرار يوميا مثلا قد رغبوا في البحث عن المتعة وان الحياة الجنسية من دون العقار قد تصبح سخيفة وعادية مثل حلاقة الذقن كما قال أحدهم، مع بعض الرجال يرتبط الأداء الجنسي بالفياغرا وينخفض مستوى الأداء مع مرور الوقت، والجانب الآخر لها نفسي بحت اعتقادا من مدمن الفياغرا انه سيفشل من دونها فيتفادى عدم أخذها، ولا يرغب بل يخشى ممارسة الجنس من دونها. ان ادمان الجنس كما يقول المؤلف تشخيص حذر يحتاج إلى دقة لكن هل يمكن الادمان حقا ? على الجنس؟ فالجنس يبدأ من المخ ? من الخيالات والتصورات ? الرغبات والاماني، وغالبا ما يكون هناك استعداد بيولوجي للافراط في الممارسة الجنسية وادمانها وهنا يبين المؤلف اهمية التمييز بين التعبير الانكليزي ممارسة الحب making love وبين ممارسة الجنس having sex .
ويحلل المؤلف من الناحية النفسية السلوك في ذاته حيث قد يصبح السلوك الجنسي نوعا من الوسواس القهري بمعنى ان السلوك الجنسي يتخذ شكل الوسواس الذي يقهر صاحبه ويتمكن منه فيصبح عبدا له، ويعتقد ان الحافز على هذا السلوك (عصبي) حيث يشرح المؤلف بأنه عندما نثار يتدفق هرمون الادرينالين ويرتفع مستوى الاندروفين ? هرمون البهجة والنشوة والمتعة في الدم.
ويفسر المؤلف صلة كل ذلك بالجريمة والجرائم الجنسية خصوصا ابراز الفرق بين ارتفاع معدل الطاقة الجنسية عن الطبيعي وبين الادمان الجنسي.
وفي الفصل الثالث الذي يختم به كتابه يحاول من خلال طرح سؤال كعنوان لماذا يقبل الناس على مشاهدة الفضيحة؟ انه سحر البرونو الخاص ثم يطل بنا على حكاية الرئيس الاميركي السابق كلينتون كمثال بالهوس الجنسي في ضوء فضيحة مونيكا، محاولا لفت الانتباه إلى عناصر الجاذبية في الرئيس ونقاط القوة به ليترك للقارئ مساحات من البحث والمتابعة ومشاركة المؤلف التأمل في ادراك النفس البشرية والتحكم في نزواتها وضبط ايقاعاتها في شكل السلوك الانساني الذي حير العلماء.