ورثت أم ناصر عالم السحر والشعوذة من والدتها المتوفاة، ومارست سحرها لفترة طويلة، إلى أن بدأ أبناء قريتها يضيّقون عليها ويلاحقونها، فقررت الهروب إلى الرياض، لتعمل بحرية، وتوسع قاعدة عملائها، لكنها بعد أن فجعت بوفاة زوجها وثلاثة من أبنائها، خلال شهر واحد، قررت التوبة، وحفظ القرآن الكريم..
..................
في منزل متواضع في أحد الأحياء الشعبية بمدينة الرياض، تقيم الآن الساحرة التائبة أم ناصر، لتختار الزهد والتقشف، بعد أن كانت تعيش في رغد ورفاه. وتقول:
«من أجل أن أكسب شعبية، وتنتشر سمعتي بين الناس، كنت حريصة على أن يلقبني كل من حولي بلقب المعالجة الشعبية، بدل ساحرة، فهذه الكلمة كانت تسبب لي الكثير من المشاكل، وتجعل بعض الناس يمتنعون عن زيارتي والاستعانة بخدماتي، ولكن في المقابل، كان هناك بعض الناس يحضرون إلي بحثاً عن ساحرة، وعندما أقول لهم بأنني معالجة شعبية يخرجون من عندي».
< وهل كنت معالجة شعبية أم ساحرة؟
لم أكن معالجة شعبية، بل كنت أمارس السحر وأتستر باسم المعالجة الشعبية، حتى أحافظ على استمرارية عملي.
< دخولك إلى عالم السحر كيف تم ومنذ متى؟
منذ ثلاثين عاماً، عندما كنت شابة في التاسعة عشرة من العمر، وكنت أساعد والدتي التي كانت تمارس السحر، وعندما توفيت والدتي ورثت عنها هذه المهنة، حيث كان الناس يحضرون للبحث عنها، وكنت أقول لهم بأنها مسافرة، وأنني أقوم بما تقوم به.
< وهل كنت فعلا تجيدين أعمال السحر؟
لا، لم أكن أعرف أي شيء عن السحر، وكل ما كنت أفعله هو أنني أستذكر ما كانت تقوله والدتي من عبارات وجمل، وأقوم بترديد هذه العبارات أمامهم، كما أنني أطلب منهم بعض الطلبات التي كانت والدتي تطلبها منهم في السابق، وحتى والدتي لم تكن تمارس السحر بمعناه المعروف، وكل ما كانت تفعله هو الخداع والتضليل واستغلال جهل الناس.
< كيف كانت حياتك عندما كنت تمارسين السحر؟
في البداية كنت سعيدة، فقد كان الناس يبدون أمامي ضعفاء، إضافة إلى ذلك فقد كنت أحظى بمعاملة خاصة فيها من الاحترام والخوف الشيء الكثير، كما أنني حققت مكاسب مالية جيدة، ولكنني مع الوقت أصبحت أتعرض لمضايقات من بعض أهالي القرية التي كنت أقيم فيها، إلى أن قامت الشرطة باستدعائي للتحقيق معي، فهربت من القرية إلى مدينة الرياض، وأقمت في البداية عند إحدى قريباتي، ولكنها طردتني من بيتها بعد أن علمت أنني أمارس السحر، فذهبت إلى منزل ابنة خالتي وأقمت عندها، ولم تعترض على أن أقوم بالسحر في بيتها، بل أصبحت هي التي تستقبل ال**ائن، وكان زوجها يساعدنا في عملنا، ثم تزوجت شقيق زوج ابنة خالتي وأقمت عنده في منزله، وأصبحت أنا وهو وابنة خالتي وزوجها نعمل سوياً.
ولكن بما أن حياتنا، أو على الأصح علاقتنا، كانت مبنية على باطل، فقد كنا نعاني من كثرة المشاكل بيننا، لدرجة أن زوجي طلقني أكثر من ثلاث مرات، ولكننا كنا نعود لبعضنا البعض، ولم نكن نبالي بأن عودتي له حرام، فقد كنا نعيش حياة أشبه بحياة الحيوانات، وهذه أيضاً كانت حال ابنة خالتي مع زوجها، كما أن القلق والخوف كانا يسيطران علينا، وذلك بسبب المداهمات التي تقوم بها الشرطة، فقد كنا نغير سكننا بشكل دائم، لدرجة أننا لم نستمر في بيت واحد أكثر من سنة.
< ولماذا توقفت عن ممارسة السحر؟
لقد توقفت عن ممارسة السحر وخداع الناس بعد أن تعرضت لمصائب كانت أشبه بالعقاب الدنيوي من الله، وكانت البداية عندما توفي اثنان من أبنائي في حادث مروري، وبعد وفاتهما وسوس لي الشيطان أن أستعين بأحد السحرة، الذي سمعت أنه يستطيع أن يحيي الموتى، فذهبت إليه وعرضت عليه موضوعي، فلم يمانع وطلب مني في البداية أن أقوم بتدنيس القرآن الكريم لمدة أسبوع كامل، في نفس التوقيت الذي توفي فيه ابناي، ولكوني كنت مشتاقة لعودتهما، وبعدي عن ربي، قمت بما طلبه مني، فطلب مني بعدها أن أعاشر بالحرام سبعة رجال في نفس التوقيت الذي توفي فيه ابناي، وقمت بتنفيذ طلبه، ولكنني فوجئت بعدها بيوم بوفاة زوجي وولدي الثالث، نتيجة حريق اندلع بالمنزل، وبعد هذا الموقف أقمت فترة في منزل أحد أقربائي، وقمت بمراجعة نفسي، وأيقنت أن الله عاقبني في المرة الأولى بسبب خداعي وتغريري بالناس، وفي المرة الثانية بسبب تصديقي للساحر، وعقدت العزم على ترك السحر والتوبة إلى الله. وأنا الآن أحفظ القرآن الكريم، وأعمل في جمعية لتحفيظ القرآن الكريم.
< عندما كنت تمارسين السحر ما هي أغرب الطلبات التي طلبت منك؟
كانت أكثر أنواع السحر التي تطلب مني تكون من نساء يردن عمل سحر لأزواجهن، حتى لا يتزوجوا عليهن، وأحياناً يقوم الرجال، وخاصة المطلقين، بعمل سحر لطليقاتهم كي لا يتزوجن، وهناك بعض الطلبة يطلبون عمل سحر لأساتذتهم في الجامعات، وبعضهم يطلب سحراً لمديره في العمل، وغير ذلك.
الرأي النفسي
من جهته، يقول الاختصاصي النفسي أحمد العودة، عن الدوافع النفسية التي تجعل البعض من الناس يذهب للساحر: إن ظاهرة اللجوء إلى السحر والشعوذة والعرافة مازالت قائمة، ومازال الإقبال عليها ليس فقط من طرف النساء، بل حتى من طرف الرجال، وأسباب هذه الظاهرة تعود إلى الإحباط، والإحساس بالأزمة وإلى انسداد الأفق، واللجوء إلى السحر والشعوذة هو نوع من التعويض، أو نوع من الهروب إلى الأمام، لأنه لا تتوفر للفرد مقومات وشروط المواجهة، ومقاومة التحديات، ممثلة أساساً في كثير من القضايا الاجتماعية، كالعنوسة والفشل في المشاريع التجارية، واختلال العلاقة الأسرية بسبب الطلاق، كل هذه الأشياء قد تدفع بالفرد إلى الارتماء في أحضان السحر والشعوذة.
رأي الشرع
يقول الشيخ صالح الماضي، عن السحر والسحرة وعقوبة من يتعلمون السحر: اتفق العلماء على أن تعلم السحر وتعليمه وممارسته حرام، قال ابن قدامة، رحمه الله، في «المغني»: أن تعلُم السحر وتعليمه حرام، لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم. وقال الإمام النووي، رحمه الله، في «شرح مسلم»: .. وأما تعلمه، أي السحر، وتعليمه فحرام».
ورغم اتفاقهم على حرمة تعلم السحر وتعليمه وممارسته، إلا أنهم اختلفوا في تكفير فاعله، فذهب جمهور العلماء، ومنهم مالك وأبو حنيفة وأصحاب أحمد وغيرهم، إلى تكفيره، وذهب الشافعي إلى التفصيل، فإن كان في عمل الساحر ما يوجب الكفر، كفر بذلك، وإلا لم يكفر، واستدل الجمهور القائل بكفر الساحر بقوله تعالى: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} قال الحافظ في «الفتح»: فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر، وكذا قوله في الآية على لسان الملكين: {إنما نحن فتنة فلا تكفر} فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر فيكون العمل به كفراً، وهذا كله واضح، واستدل الشافعية بما رواه أبو هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». متفق عليه. قالوا: دل الحديث على أن السحر ليس من الشرك بإطلاق، ولكن منه ما هو معصية موبقة كقتل النفس وشبهها.
أما عن حكم الساحر فيقول الشيخ صالح: اختلف أهل العلم في عقوبة الساحر، فذهب الحنفية إلى أن الساحر يقتل في حالين، الأولى: أن يكون سحره كفراً، والثانية: إذا عرفت مزاولته للسحر بما فيه إضرار وإفساد ولو بغير كفر. وذهب المالكية إلى قتل الساحر، لكن قالوا: إنما يقتل إذا حكم بكفره، وثبت عليه بالبينة لدى الإمام. وعند الشافعية: إن كان سحر الساحر ليس من قبيل ما يكفر به، فهو فسق لا يقتل به، إلا إذا قتل أحداً بسحره عمداً، فإنه يقتل به قصاصاً. وذهب الحنابلة إلى أن الساحر يقتل حداً ولو لم يقتل بسحره أحداً، لكن لا يقتل إلا بشرطين، الأول: أن يكون سحره مما يحكم بكونه كفراً، مثل فعل لبيد بن الأعصم، أو يعتقد إباحة السحر. والثاني: أن يكون مسلماً، فإن كان ذمياً لم يقتل، لأنه أقرَّ على شركه وهو أعظم من السحر، ولأن «لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقتله».