ضحية جديدة للعنف الأسري تضيع بين الجهات المختصة
أب وأبناؤه وزوجته يشوهون ابنتهم بالحرق والتكبيل بالسلاسل
حجزوها داخل حفرة وكبلوها بالسلاسل
سيف الحارثي – الخبر
حرق بالسكاكين ... ضرب مبرح ... تكبيل بالسلاسل ... حجز في حفرة ... وأخيراً تنويم بالعناية المركزة بين الحياة والموت , هذا ليس جزءا من فيلم رعب بل هو قصة حقيقية عاشتها ضحية العنف الأسري (ن.ج) ذات التسعة والعشرين ربيعاً بعد انفصال والديها عن بعضهما وهي في الرابعة من عمرها , وظلت في حضانة والدتها إلى أن جاء والدها واصطحبها معه بحجة زيارة زوجته الثانيه وابنائه الذين يعيشون في مدينة أخرى , ومن هنا بدأت قصة تعذيب الضحية والتي انتهت بها بعد سنوات عديدة في غرفة العناية المركزة حتى خرجت منها وغادرت مع والدتها للعيش في مدينة الخبر , وعندما أرادت مساعدتها على حل القضية ضاعت حقوقها ما بين جمعية حقوق الإنسان بالدمام والجهات الأخرى حيث لم تجد من يثأر لانتهاك انسانيتها أو حتى يحميها من اعتداءات أقرب الناس إليها .
خوف
عاشت الضحية وهي خائفة تعذبها كوابيس اليقظة قبل كوابيس المنام في انتظار القدر المحتوم وما قد يجلبه من إعادة واقعية لمسلسل تعذيبها اليومي الذي يشارك فيه والدها واشقاؤها إضافة إلى دور البطولة المطلقة لزوجة والدها التي تعمل ممرضة تعالج المرضى اثناء فترة عملها وعند عودتها للمنزل تنتهك إنسانية الضحية على مدى فترة طفولتها وحتى بلوغها 24 عاماً من خلال ممارسة مختلف فنون التعذيب وإزهاق النفس البشرية ضدها .
ابتداء من حجزها داخل حفرة في قبو المنزل وتكبيل يديها ورجليها بالسلاسل من وقت خروج الأسرة لاعمالها صباحاً إلى وقت العودة مساء دون أكل أو شرب , ومروراً بإسقاط الجنين الذي كانت حاملا به وعمرها 13 عاماً من طليقها نتيجة تعرضها من قبل والدها واشقائها وزوجة والدها لضرب مبرح بقطع حديدية وحروق في اجزاء متفرقة من جسدها واعتداءات أخرى , وانتهاء بنقلها بين الحياة والموت إلى أحد مستشفيات الجنوب وتنويمها بالعناية المركزة التي غادرت منها برفقة والدتها إلى مدينة الخبر حيث أكملت الضحية علاجها من الآثار الصحية والنفسية السيئة في مستشفيات الخبر الخاصة والحكومية.
لقاء
التقينا بالضحية ( ن.ج ) والتي تحدثت لنا دمعة عينيها عن معاناتها قبل أن ينقلها صوتها الجريح حيث تقول : انفصل أبي عن أمي وانا في الرابعة من عمري حيث بقيت في حضانة والدتي التي تعيش مع اسرتها إلى بلوغ سن 13 عاما وفي هذا الوقت بدأت المأساة وقصة المعاناة عندما جاء والدي لاصطحابي معه بغرض زيارة زوجته الثانية واشقائي الذين يعيشون في مدينة أخرى ولكن الواقع غير ذلك , فبعد ذهابي برفقته تفاجأت بأنه قد أتم زواجي من أحد اقاربه مسبقا دون علمي واستمر الزواج عاما واحدا فقط بعدها عدت إلى منزل والدي واسرته حيث مارسوا ضدي جميع أنواع التعذيب مما أدى إلى إسقاط الجنين الذي حملت به .
فكانت زوجة والدي وابناؤها يتفننون في تعذيبي على مدى سنوات عديدة فقاموا مع والدي بحجزي لفترات طويلة وسط حفرة في قبو المنزل بعد تكبيل يديَّ وقدميَّ بالسلاسل منذ الصباح إلى المساء دون أكل وشرب , وعند عودتهم من المنزل تفرج عني زوجة والدي حتى انظف المنزل واحضر العشاء إضافة إلى تحريض ابنائها على ضربي واهانتي فكانوا يسخنون السكاكين على النار ويقومون بحرقي وانا نائمة , كما قامت زوجة والدي مراراً بضربي بقطع حديدية تسببت في تكسير أسناني , وبالرغم من بلوغي سن الرشد إلا انها كانت تتسلط علي اثناء الاستحمام وتصر على غلسي بالديتول والكلوركس بزعم قتل الجراثيم وعندما أشعر بالجوع تقدم لي الأكل الذي يعج برائحة المبيدات الحشرية .
وقد كان والدي يشح بكسوتي فيجعلني ارتدي ملابس أولاده البالية وبعد تقاعده اصبح يلبسني بدلته العسكرية , حيث تسبب جميع هذا التعذيب في سوء حالتي الصحية والنفسية مما اجبرهم على نقلي إلى أحد مستشفيات منطقة الجنوب , وادخلت إثر ذلك العناية المركزة قبل ما يقارب سنتين إلى أن جاءت والدتي واصطحبتني معها إلى مدينة الخبر بعد أن هددت والدي بإبلاغ الشرطة على هذه الجريمة .
لكن الآن وبعد أن تحسنت حالتي وشعرت بالأمان بين احضان والدتي عاود والدي في الفترة الحالية اتصالاته علينا مطالبا والدتي باسترجاعي للعيش مع اسرته وهذا ما سيحول حياتي إلى جحيم.
منع
أما والدة الضحية التي تعيش مع ابنتها برعاية جهة خيرية وبمساعدة أهل الخير فقد اوضحت لنا أنها ذاقت الأمرين طيلة فترة افتقادها لابنتها بعد ان كان زوجها السابق يمنعها من زيارة أو رؤية ابنتها ولو لدقائق معدودة , حيث تفاجأت قبل سنتين باتصال من اقاربها في الجنوب يخبرونها بدخول ابنتها إلى أحد المستشفيات نتيجة حالتها الصحية والنفسية السيئة , وإثر ذلك غادرت مدينة الخبر متجهة إلى الجنوب وأصرت على اصطحاب ابنتها للعيش معها حيث أكملت الضحية علاجها في العيادات النفسية والمستشفيات الحكومية والخاصة بالخبر إلى أن تماثلت للشفاء .
وأشارت والدة الضحية إلى معاودة زوجها السابق مؤخرا الاتصال بهم مطالبا بالتنازل عن النفقة واسترجاع ابنته للعيش معه , وفضلت والدة الضحية عدم الحديث عن الماضي الأليم موجهة نداءها إلى الجهات المسئولة للتدخل العاجل لانقاد ابنتها من العودة إلى حياة التعذيب عند والدها وأسرته ومناشدة أهل الخير مساعدتها على ظروفها الصعبة التي جعلتها تعيش مع ابنتها دون دخل مادي ثابت تصرف منه .
حقوق الإنسان تفتح ملف القضية للمرة الثانية
وحول الحالة تحدث عدد من الجهات التي تشترك في علاج قضايا العنف الأسري بهدف معرفة الإجراءات النظامية المتبعة عند ورود بلاغ من أحد الضحايا يفيد بتعرضه لمثل هذه الحالات حيث اوضحت الدكتورة نوال الاخصائية في أحد المستفيات بالخبر أنها أشرفت على علاج الضحية ( ن.ج) واكتشفت عند بداية علاجها إصابة المريضة برضوض واضحة وآثار جروح وحروق ملتئمة في مختلف جسدها وخاصة في يديها ورجليها نتيجة تعرضها لاعتداء وضرب بأدوات معدنية حادة وكذلك أسفر الكشف عن تعرض أسنانها إلى كسر وتشوهات في الثنية الأمامية اليمنى وتموت الناب السفلي بسبب الرضوض وكسر تاج السن الخلفي , إضافه إلى أن المريضة كانت تعاني من حالة نفسية سيئة ساهمت في صعوبة استجابتها للعلاج بشكل طبيعي مما جعلنا نوجهها إلى العلاج في العيادات النفسية بالمستشفى الجامعي بالخبر .
من جهته اشار مصدر بفرع جمعية حقوق الإنسان بالدمام إلى أن الجمعية باشرت هذه الحالة قبل عامين حيث قدمت الفتاة بصحبة والدتها و فضل عدم اتخاذ أي إجراءات في القضية نتيجة استقرار الفتاة مع والدتها وحتى لاتثار احتجاجات والدها فيتدخل بشكل سلبي , ولكن بعد أن عاود والدها الاتصال في الفترة الحالية سنقوم باتخاذ إجراءات جديدة لمساعدة الفتاة .
وأكد الناطق الاعلامي لشرطة المنطقة الشرقية العقيد يوسف القحطاني على تفاعل الجهات الأمنية مع كافة بلاغات العنف الأسري التي تصل إليهم من النساء بحضور محرم أو بدون ذلك , حيث تأخذ الجهة الأمنية إفادة المدعي ثم يتم ضبط المدعى عليه ويحضر إلى قسم الشرطة , ويرفع التقرير إلى هيئة التحقيق والادعاء العام المختصة بالاعتداء على النفس ومن ثم تحول القضية كاملاً إلى المحكمة الجزئية أو العامة , وأشار القحطاني إلى عرض القضية على الحاكم الإداري وكذلك تطبيق لائحة الإجراءات الجزائية حيث يسجل تعهد على المعتدي أو يحال إلى السجن على حسب إجراءات التحقيق .
من جهته أوضح الشيخ صالح اليوسف رئيس المحكمة الجزئية بالخبر أن قضايا العنف الأسري بدأت تزداد في الفترة الأخيرة نتيجة ضعف الوازع الديني مشيراً إلى أن للأب حق التأديب والتربية فقط أما إذا تجاوز الحال إلى عملية التعذيب فهذا محرم ويحاسب عليه الشرع حيث تختلف التقديرات أو الأحكام حسب القضية ونوع التعذيب , وأضاف: في حالة انفصال الزوجين يحق للأم حضانة اطفالها حتى بلوغهم سن 7 سنوات وبعد ذلك يحق للأب أخذهم للعيش معه باستثناء بعض الحالات التي تكون في مصلحة الابناء فمثلاُ تسترد الأم ابنها إذا تعرض لاعتداء وصل لحد التعذيب من والده اثناء العيش معه والعكس صحيح .
واشار ابراهيم العمير مدير فرع الشؤون الاجتماعية بالمنطقة الشرقية أن إدارة الرعاية بإدارته قامت بحماية 190 حالة تعرضت للعنف الأسري خلال الثلاثة اعوام الماضية , مؤكداُ على أن هذه الحالات تقدم للشؤون الاجتماعية عن طريق المسشتفيات حسب اتفاقية تعاون بين الجهتين حيث نعرضها على لجنة الحماية الاجتماعية المتضمنة عددا من الجهات المسئولة والتي تقوم بزيارة الحالة المعتدى عليها وتخرج بتقرير نهائي عنها يرفع للحاكم الإداري إضافة إلى قيام الإشراف النسائي الاجتماعي بإعداد البحوث النفسية والاجتماعية عن الحالة , وأضاف العمير بخصوص استقبال الفتيات بدور الرعاية أن بعض الحالات تكون سهلة وتحل بأخذ التعهد وبعضها معقدة نضطر من خلالها إلى مخاطبة الحاكم الإداري الذي يوجه إلينا التعليمات حتى نتمكن من نقلها إلى دار الحماية .